تعدّ صناعة الدجاج في العالم من أكثر قطاعات الزراعة نجاحًا ، حيث تطوّرت هذه الصناعة بشقّيها – إنتاج البيض وإنتاج بداري التسمين- في خلال مدّة تزيد قليلاً عن 50 عامًا، فتحوّلت من مزارع صغيرة متفّرقة وموجّهة محلّيًا إلى قصة نجاح متقدّمة حيث أصبح القطاع الداجني عالي الكفاءة متكامل رأسياً، توفّر للمستهلك في جميع أنحاء العالم بكافة متطلباته من منتجات الدواجن بمواصفات غذائية وصحية عالية الجودة وبأسعار في متناول الجميع. هذا ويمكن أن يُعزى الكثير من نجاح الصناعة إلى التنظيم الهيكلي الأكثر كفاءة فضلاً عن التحسين المستمرّ في تقنيات التحسين الوراثي وعناصرالإنتاج وطرق الذبح والتصنيع المستخدمة والإستجابة المستمرة لطلبات المستهلكين.
تحوّلت عملية الإنتاج من عملية بسيطة إلى عملية معقدة استبدل فيها اسم مزارع الدواجن بإسم صناعة الدواجن وأوّل من أطلق هذا المصطلح هو الأمريكي Johnson Brown عام 1904 على الرغم من أنّه في تلك الفترة كانت الصناعة في مهدها الاول وكانت تعدّ الولايات المتحدة الامريكية هي رائدة تطوّر هذه الصناعة .
و في ما يلي سرد تاريخي لتتطور الانتاج
القرن التاسع عشر – أوائل القرن العشرين
اعتمد إنتاج الدواجن في القرن التاسع عشرفي امريكا و اوروبا على العديد من الأسر التي لديها قطعان من سلالات ثنائية الغرض (Dual-purpose chickens) ( مثل البليموث روك والرود ايلاند) التي كان يتمّ إنتاجها في الأحواش الخلفية للمنازل ( Backyard flocks).
وكانت العملية الإنتاجية تتمثّل في منتج زراعي يعتمد على تربية أعداد صغيرة من الدّجاج لا يتجاوز 100-300 طائر بغرض توفير عائد ثانوي يكفي مصروف الأسرة الريفية وبحيث تتغذّى هذه الطيور على المخلّفات الناتجة من المنازل. وكان البيع يتمّ بصورة عرضية يوم الأحد أو أيام العطلات الرسمية.
وبحلول مطلع القرن العشرين، بدأ عدد قليل من المربّيين في بيع الدجاج الصغير كمصدر للّحم خلال فصل الصيف كنشاط جانبي في مزارع أسرهم. ويجب أن نأخذ في الإعتبار أنّه نظراً للتقلّبات الجوية على مدار العام فكان من الصعب الإنتاج في عنابر مغلقة لا تدخلها الشمس حيث كان الإنتاج محدودًا نظراً لعدم اكتشاف دور أشعّة الشمس في تخليق فيتامين (د) ومن ثم امتصاص وتمثيل الكالسيوم.
عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي
- بدأ إنتاج لحوم الدجاج بصورة متخصّصة ومنفردة بعد أن كانت في السابق تابعة لصناعة البيض ، ومع تطويرإنتاج دجاج اللحم والمعروف حالياً باسم بداري التسمين انتشرت المزارع في منطقة دلمارفا في أمريكا ( التي تضمّ ولاية ديلاور – ميريلاند – فرجينيا ) فضلاً عن ولاية جورجيا وأركنساس ونيو إنجلاند. حيث وفرة العناصر اللّازمة للصناعة في هذه الولايات والتي تتمثّل في الظروف المناخية المناسبة، والأراضي والمياه الكافية، والوصول إلى إمدادات مكوّنات الأعلاف الرئيسية مثل الذرة وفول الصويا.
- وفي تاريخ تطوّر صناعة الدواجن فغالبًا ما يُشار إلى السيدة ويلمر ستيل(Mrs. Steele ) من مقاطعة ساسكس ، بولاية ديلاوير ، على أنّها رائدة صناعة الدواجن التجارية، ففي عام 1923 ، قامت بتربية قطيع مكوّن من 500 كتكوت (صوص) لبيعها للّحوم وكان عملها الصغير هذا مربحًا للغاية ، حتى أنّه بحلول عام 1926 ، تمكّنت السيدة ستيل من بناء عنبر لدجاج التسمين يسع 10000 طائر.
الأربعينيات – الستينيات من القرن العشرين
- في هذا الوقت كانت صناعة الدواجن تتكوّن من كيانات منفصلة تتمثل في مصانع الأعلاف والمفرخات والمزارع والمجازر. وقد دعا اصحاب المفرخات عملائهم في المشاركة بشكل أكبر في التنسيق بين عمليات إنتاج وتصنيع وتسويق دجاج التسمين. و لقد لعبت المفرخات هذا الدور من أجل حماية حصتها في السوق والإنتاج. ثم تلي ذلك ما قدمته مصانع الأعلاف من حدود ائتمان للمزارعين لشراء الأعلاف فضلا عن توفيرالقروض الازمة لشراء الكتاكيت من المفرخات، مع ضمان الدين بوثائق موقعة من كلا الطرفين، و حينما يتم بيع القطيع يسدد الدين لمصنع العلف. في نهاية المطاف. و هذا الإجراء شجّع رجال الأعمال في التنسيق بين كلّ من مصانع الأعلاف والمفرّخات والمجازر لإيجاد تكامل بينها، ممّا أدّى إلى بدايات الصناعة المتكاملة.
- حتى بداية الأربعينات من القرن العشرين كان يتمّ بيع الدجاج عادة في صورة “ذبيحة نيويورك” ، وهي عبارة عن دجاج مذبوح مزال منها الدم والريش فقط.
- في الثلاثينات من القرن العشرين ابتكر George Hunt آلة نزع الريش وكان لها عظيم الأثر في تقدّم صناعة الدواجن. وفي عام 1940 قام Seth Barker بتطوير هذه الآلة وأخذ توكيل تصنيع ماكينات نزع الريش .
- في عام 1942حصل مجزر إلينوي على اوّل موافقة حكومية لنزع الأحشاء . ومن هنا تمّ نزع أحشاء الذبيحة وتعبئة الذبائح مع الثلج في صناديق خشبية.
- وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت صناعة الدواجن في الإنطلاق ، فبدأ التطوّر الحديث في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1945 ثم اوربا 1950 ثم أمريكا اللاتينية وبعض دول آسيا 1965 ثم الدول العربية 1975 وإفريقيا 1985.
- والتطور الذي تمّ أثناء الحرب العالمية الثانية جاء نتيجة زيادة الطلب على لحوم الدواجن لتغذية الجنود أثناء الحرب، وهنا بدأت عملية تجهيز الذبيحة تتغيّر بإزالة الأحشاء والارجل وسُمّيت هذه الذبيحة dressed and down) ) واستخدمت في هذه الفترة السلالات الثنائية الغرض وبدأ التحسين الوراثي لها .
- في عام 1944 أُطلقت مبادرة في مؤتمر كندا للدواجن تتطالب بتطوير صناعة دجاج التسمين وتكوين سلالات عريضة الصدر كما هو الحال في الدجاج الرومي.
- وفي عام 1945 تمّ الإتفاق مع وزارة الزراعة الأمريكية لتشكيل لجنة لتطوير هذه الصناعة
- في عام 1946 أجريت مسابقة أطلق عليها دجاج الغد وحصلت مزارع Vantress على المركز الأوّل نظير خليط مكوّن من دجاج الكورنش والنيوهامبشير بينما حصلت مزارع Arbor Acres على المركز الثاني نظير التقّم بسلالة White Rock بعد ذلك تمّ الخلط بين دجاج المزرعة الأولى كخطّ آباء ودجاج المزرعة الثانية كخط إناث، وهنا بدأ انطلاق صناعة بداري التسمين المعتمدة على التهجين.
- في عام 1949 أطلقت وزارة الزراعة الأمريكية برنامجًا تطوعيًا لتصنيف المنتجات وذلك لضمان جودة عالية للمستهلكين.
- وبحلول عام 1952 بدأت صناعة الدواجن التجارية ازدهارها الإقتصادي. ،حيث تزايد انتاج دجاج الّلحم المربّى خصّيصًا باعتباره المصدر الأوّل للحوم الدجاج في الولايات المتحدة.
- ساد بعد ذلك بدء “التكامل الرأسي” حيث تشارك شركة واحدة في مراحل الإنتاج والذبح والتسويق.
- وبحلول منتصف الستينيات، كان تسعون بالمائة من دجاج التسمين ينتج من خلال العمليات المتكاملة. وهذا التكامل الرأسي لصناعة دجاج بداري التسمين أتاح الفرصة للإستفادة من التقنيات الدوائية والبيولوجية والإنتاجية الجديدة لتصبح الصناعة أكثر كفاءة واستجابة وربحية.
- في عام 1954، تمّ تنظيم المجلس الوطني لبداري التسمين (والذي أصبح في 1 يناير 1999 المجلس الوطن للدجاج NBC) لتحفيز طلب المستهلكين. وأصبحت واشنطن العاصمة مقرّاً لها وكان الغرض ايضاً سهولة التعامل مع العلاقات الحكومية والشؤون العامة لصناعة بداري التسمين . وكان جيسي جيويل Jesse Jewell أوّل رئيس للمنظّمة. في عام 1959أصبح التفتيش الفيدرالي على دجاج التسمين إلزاميًا بعد أن كان تطّوعياً منذ عام 1926.
- في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات ، استخدمت الشركات الكبرى التلفزيون ووسائل الإعلام المطبوعة لتسويق الدجاج تحت أسماء تجارية. وكان 95% من دجاج التسمين المباع في المتاجر يحمل إسمًا تجاريًا فضلاً عن وجود العلامة التجارية الخاصة بالمجازر وأحيانًا علامة تجارية للمتجر؛ وإنتاج العلامات التجارية للمتاجر يتمّ بالاتفاق مع مجازر رئيسية ، وهو نوع من الإنتاج يسمّى “العلامة الخاصة”. وبالتالي ، فإنّ الإنتاج التجاري المتكرّر اعتمد على مستوى ثابت وموثوق من الجودة في المنتج الذي يحمل العلامة التجارية.
منذ السبعينيات
بحلول منتصف السبعينيات ، تطوّرت الصناعة إلى حالتها الحديثة مع تنفيذ الإكتشافات المتعلّقة بالإحتياجات الغذائية للطيور، وبرامج التحكّم والقضاء على الأمراض ، والتحسينات الوراثية من خلال التربية التقليدية والحديثة، واستخدام الماكنة والمعدّات الحديثة الأوتوماتيكية في كافة خطوات الانتاج.
- وفي أوائل الثمانينيات من القرن العشرين ، فضّل المستهلكون الدجاج المجزّء والمصنّع أكثر من الطيور الكاملة التقليدية. جدير بالذكر أنّ استهلاك الدجاج تجاوز استهلاك لحوم البقر في الولايات المتحدة في عام 1992.
- في عام 1991 ، ساهمت الحكومة الأمريكية في تسهيل تصدير الشحنات الأولى من أرباع الخلفية ( الافخاذ) الدواجن المجمّدة إلى الاتحاد السوفيتي. أطلق عليها المستهلكون الروس اسم “أرجل بوش” تكريماً للرئيس الأول جورج بوش. ومع تفكّك الإتحاد السوفيتي ، انفتح السوق الروسي على التجارة الدولية وارتفعت صادرات الدواجن الأمريكية بشكل كبير. بحلول عام 2001 ، شكّلت صادرات الدجاج إلى روسيا والأسواق الخارجية الأخرى بما يقرب من 20 في المائة من إجمالي الإنتاج الأمريكي ، بقيمة تزيد عن 2 مليار دولار.
في 26 يناير 1998 ، طلبت وزارة الزراعة الأمريكية تطبيق برامج التحكّم في عملية تحليل المخاطر ونقاط التحكّم الحرجة HAACP (Hazard Analysis and Critical Control Points) في جميع مجازر الدواجن الكبيرة. هذا البرنامج هو نهج حديث لمعايير الجودة (Quality control) و الذي يسعى إلى التحكّم في مراحل كافة مراحل الذبح وبالتالي القضاء على المخاطرالكيميائية والفيزيائية والميكروبيولوجية أو تحجيمها.
ومع التطورات الصناعية المتعلّقة بذبائح ومجزئات ومصنّعات الدواجن ، أصبح دجاج التسمين المنتج أكثر استهلاكاً الآن ، وبأسعار معتدلة للمستهلك مقارنة بتلك التي كانت موجودة من قبل.
التطوّرالتاريخي في معايير الإنتاج في بداري التسمين
- استمر التحسين منذ مهد الصناعة حتى الآن وفي كافة العلوم المتعلّقة بمنظومة صناعة بداري التسمين مثل برامج التحسين الوراثي والبيئي والرعاية الصحية والبيطرية ممّا أثمر سنوياً عن الآتي :
- زيادة سرعة النمو بمعدّل تحسين 45 -50جم
- انخفاض عمر التسويق 18 ساعة
- انخفاض كفاءة التحويل الغذائي بمقدار
- انخفاض النافق بمعدّل 05.
- زيادة وزن عضلات الصدر والافخاذ
وفي ما يلي جدول يوضّح التطوّر في عناصر الكفاءة الإنتاجية لبداري التسمين والذي يشمل عمر التسويق – وزن الجسم – معدّل الزيادة اليومية – كفاءة التحويل الغذائي – معدّل النافق – معامل كفاءة الإنتاج منذ عام 1920 حتى عام 2015 . أمّا الآن فإنّ عمر التسويق انخفض الى 30-33 يوماً مع كفاءة تحويل غذائي 1:1.4 وكفاءة إنتاج تتعدّى 400 نقطة .
إعداد:
ا.د/ عبدالرحمن محمد محمد عطا
استاذ فسيولوجيا الدواجن
كلية الزراعة – جامعة القاهرة
مصر
References
North, M. and Bell, D. (1990). Commercial Chicken Production Manual. 4th ed. AVI Book. New York.
Robert Ivan Mihelic. 2019. Broiler chicken development: from genetic regulation to rural Rwandan production. A Thesis Presented for the Master of Science Degree, the University of Tennessee, Knoxville
Tallentire C. W, Ilkka Leinonen and Ilias Kyriazakis.2016. Breeding for efficiency in the broiler chicken: A review. Agron. Sustain. Dev. 36: 50-66.
U.S. Chicken industry history. 2023.National chicken council.